الغرب ومسلمو نيجيريا.. التخطيط المحكم
ضحايا عزل قتلوا بدم بارد في مذابح نيجيريا
تقرير- عبد العظيم الأنصاري:
في ظل ما تشهده نيجيريا كبرى دول القارة الإفريقية من حيث تعداد السكان من مذابح منظمة ضد المسلمين الذين يشكِّل غالبية سكانها حوالي 60%، يتجاهل المجتمع الدولي الأحداث الدامية وكأنها تحدث في كوكب آخر، فالغرب الذي دائمًا ما يتشدَّق بشعارات حقوق الإنسان والمواطنة والحرية والعدالة صمت على مذابح المسلمين في نيجيريا.
الغرب الذي يتدخل في شئون البلاد العربية والإسلامية وغيرها بحجة حماية حقوق الأقليات الدينية والعرقية- حيث يرى أن المسيحيين في البلاد الإسلامية لا يتمتعون بحقوقهم- تجاهل تمامًا ما يحدث من جرائم وانتهاكات ضد المسلمين في نيجيريا، كما تجاهل- ويتجاهل- الجرائم التي ارتُكبت في حق المسلمين في البوسنة والهرسك وفلسطين والشيشان وغيرها؛ ما يكشف زيف الشعارات التي يرفعها وباسمها تعلن الحروب ويتم غزو البلاد وقصف المدنيين وإشعال نيران الفتن الطائفية، فبفضل سياسات واشنطن تجاه العالم الإسلامي يرزح ملايين المسلمين في باكستان وأفغانستان تحت نير الحرب المستعرة هناك والقصف الأمريكي الغربي المتواصل للمدنيين العزل، ويكابد أطفال العراق عذاب الاحتلال والفتنة والخراب بعد سنوات الحصار الطويلة المريرة، في حين يعيش الشعب الصومالي في حالة حرب لا نهائية وتستيقظ الفتن والصراعات في دلتا نهر النيجر.
إن المذابح التي يتعرَّض لها المسلمون في نيجيريا تضع الغرب في مواجهة مع نفسه؛ حيث إنها تكشف التناقض الغربي بين ما يرفعه من شعارات وما يمارسه على أرض الواقع من تجاهل لهذه الشعارات، بل والقيام بأعمال منافية لها.
دماء المسلمين في نيجيريا
يواجه المسلمين في نيجيريا حربًا تهدف إلى إبادتهم وإبعادهم عن بلادهم، ويلاحظ تكرار الانتهاكات والمذابح ضد المسلمين هناك، رغم أنهم غالبية السكان، ويرجع ذلك إلى سيطرة المسيحيين على الكثير من مقدَّرات الأمور هناك، وبدأت تتكرر هذه الأعمال ضد المسلمين، وتنوَّعت المناطق التي تحدث بها وتوزَّعت على كافة أنحاء البلاد وتقاربت الفترة الزمنية فيما بينها؛ حيث تنظِّم ميليشيا مسلحة مسيحية لغرض القضاء على المسلمين، يمتلك بعضها أسلحةً متطورةً كالصواريخ والقنابل، وأبرزها حركة جيش المسيح؛ حيث قامت مذابح ضد المسلمين في العام 2001 تكررت في مدينة جوس وبلدة بلاوا والعديد من مناطق نيجيريا، وقامت الحكومة العلمانية بشن الهجمات على جماعة بوكو حرام وغيرها من الجماعات الإسلامية في نيجيريا في العام 2004، ثم قامت مذابح مماثلة قتل خلالها حوالي 200 مسلم في العام 2008، ثم تبعتها أحداث مدينة جوس في العام 2010، ثم ما فعلته أجهزة الشرطة والجيش من انتهاكات ومذابح ضد المسلمين المدنيين العزل أثناء شنِّهم حملة على جماعة بوكو حرام النيجيرية الإسلامية، والتي يرى البعض أنها طالبان نيجيريا؛ حيث تسعى لتطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد ومحاربة مظاهر التغريب، ولكن ما قامت به أجهزة الشرطة ردٌّ غير عادي وغير طبيعي في دولة تحكم بالقانون؛ حيث قامت عناصر من الجيش والشرطة بإطلاق النار بشكل عشوائي على المدنيين العزل.
أينما حل الغرب حلت الدماء
في ديسمبر الماضي وبعد يومين من حادثة الطائرة الأمريكية في ديترويت اشتعلت أعمال العنف شمالي نيجيريا بين قوات الأمن وأعضاء جماعة إسلامية؛ ما أسفر عن مصرع حوالي 70 شخصًا، ورغم أن شمالي نيجيريا ذي الأغلبية المسلمة يشهد من حين لآخر موجات من العنف تتخذ طابعًا دينيًّا حيث تنتشر حركات إسلامية تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في كل أراضي نيجيريا وليس في الشمال فقط وإلغاء نظام التعليم الغربي فإن الأمر يبدو مختلفًا؛ حيث يتجاوز أبعاده المحلية؛ حيث تشعر الحكومة النيجيرية بحرج بالغ بعد الإعلان عن أن منفِّذ محاولة تفجير الطائرة الأمريكية في مدينة ديترويت هو النيجيري عمر فاروق عبد المطلب.
وبالنظر إلى أن نيجيريا من أقوى حلفاء واشنطن في إفريقيا سارعت لتعقُّب من تصفهم بالمتشدِّدين بمباركة أمريكية، وهي فرصة تمنَّتها القوى المسيحية مرارًا لإطلاق يدها وسلاحها على المسلمين، وهكذا تسارعت وتيرة العنف والدماء في نيجيريا.
البترول ودماء مسلمي نيجيريا
أعمال عنف واشتباكات طائفية في نيجيريا أودت بحياة العشرات
البترول هو رئة واشنطن وواحد من أهم مصالحها الإستراتيجية في العالم، وهكذا احتلت نيجيريا مكانةً في الأجندة الأمريكية، بما أنها أكبر منتج للبترول في القارة السمراء، وهذا ما أدركه الأمريكيون مبكرًا؛ حيث بدأت شركة شل إنتاج البترول في منطقة دلتا نهر النيجر منذ العام 1958م، وتسبَّبت في الكثير من المشكلات؛ حيث إنها لم تلتزم بالمعايير الدولية للحفاظ على البيئة وحياة الإنسان وحقوقه، بل وقامت الشركة بانتهاكات عديدة ضد حقوق الإنسان؛ حيث قامت عناصر من الجيش بدعم من الشركة بالعديد من الهجمات الوحشية ضد المتضررين من تلويث الهواء والمياه وقتل الأسماك وتلف المزروعات، كما أن هذه الشركة ومثيلاتها في نيجيريا تقوم بتعيين المسيحيين وتستخدم هذا الأسلوب لتنصير عدد من المسلمين ممن يعانون الفاقة ويحتاجون إلى العمل، ورفعت العديد من الدعاوى القضائية ضد الشركة اتهمت فيها بالمسئولية عن انتهاك حقوق الإنسان في نيجيريا، بما في ذلك الإعدامات الفورية والجرائم ضد الإنسانية والتعذيب، لكنَّ الأمر استغرق سنوات حتى تصل أولى هذه الدعاوى إلى المحكمة.
وتستحوذ الشركات الأمريكية على أكثر من 7.4 مليارات دولار من الاستثمارات في القطاع النفطي في نيجيريا التي تنتج حوالي مليوني برميل يوميًّا، يتوجه نصفها إلى الولايات المتحدة، وبذلك تحتل نيجيريا المركز الخامس في قائمة الدول المصدرة لأمريكا، وتخطِّط واشنطن لرفع حصتها من البترول النيجيري إلى 1.4 مليون برميل يوميًّا، ولذا فإنها تضغط على الحكومة النيجيرية للانسحاب من عضوية منظمة الأوبك، والتي تخصِّص لنيجيريا حصة إنتاج تقدَّر بـ 1.7 مليون برميل يوميًّا، وهو ما يسبِّب خسائر مالية لشركات البترول تتجاوز المليار دولار سنويًّا.
وتلعب الشركات الأمريكية دورًا في الاضطرابات الطائفية التي تنشب بين الحين والآخر، وأشارت مجلة (تايم) الأمريكية في عدد سابق لها إلى أن نيجيريا التي صدرت ما قيمته 320 مليار دولار من البترول الخام العالي الجودة خلال الـ30 عامًا الماضية لم تفعل حكومتها شيئًا للشعب، باستثناء بعض الطرق وملاعب كرة القدم التي باتت باليةً.
الوجود العسكري الأمريكي في نيجيريا
عندما أنشأت واشنطن قيادة "أفريكوم" لتكون مسئولة عن أمن القارة الإفريقية بالكامل عدا مصر، التي تتبع القيادة المركزية للجيش الأمريكي، كانت نيجيريا- بقيادة الرئيس عمر يار إدوا- من الدول الرافضة لاستضافة قاعدة عسكرية أمريكية في أراضيها، وهو ما أجبر واشنطن على وضع قيادة "أفريكوم" بشكل مؤقت في شتوتجارت بألمانيا، ورغم إنكار البيت الأبيض حينها وجود مخططات جاهزة لبناء قواعد عسكرية في المنطقة فإن هذه المخططات يبدو أنها بدأت تخرج من الأدراج لتتخذ وضعية الاستعداد للتنفيذ مع مرض الرئيس عمر واعتلاء نائبه جودلاك جوناثان المسيحي للمنصب، وفي هذا الإطار وصلت وحدات من البحرية الأمريكية إلى لاجوس، وكما جاء في بيان للسفارة الأمريكية في نيجيريا فإن هذه الوحدات جاءت لتدريب القوات البحرية النيجيرية في إطار قوة حماية لمكافحة "الإرهاب"، ووصلت القوة الأمريكية على متن الفرقاطة "يو إس إس صامويل بي روبرتس" بقيادة الكومندوز تشاك سيلرز.
وما يبدو من المشهد النيجيري على لوحة العالم حتى الآن لا يعكس تجاهلاً أمريكيًّا أو غربيًّا للمسألة بقدر ما يعكس تخطيطًا وتدبيرًا أمريكيًّا محكمًا، أما التجاهل فهو من نصيب المسلمين الذين يفضلون مواجهة أعدائهم فرادى.
والحقيقة وراء السياسة الأمريكية الغربية تجاه الأمة المسلمة ترجع إلى نظرتهم للمسلمين، كما أوضح المؤرخ الإسباني الكبير والمهتم بقضايا المسلمين بيدرو مارتينيز مونتابيز، والتي تتمثل في أن العالم الغربي متفوقٌ على الحضارة الشرقية ولا يتعلق الأمر هنا بالتفوق التقني والمادي، بل يتعلق بالتفوق على مستوى القيم والأخلاق، يقول مونتابيز إن ذلك يرجع إلى جهل الغرب بالإسلام والمسلمين
القرضاوي لقناة الجزيرة: مبارك بدأ يذبح شعبه
قبل 13 عامًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق